القوة السهلة

إن الإنسان بطبيعته يسعى للقوة، ويبحث عنها لإرضاء ذاته، وليكسب الاحترام والتقدير. هناك من يكسب الاحترام بالمال، إلا أن هذا الاحترام في كثير من الأحيان يكون زائفا أو لمصلحة مادية. أما النوع الآخر من القوة فهو القوة المكتسبة بالجاه والمنصب، ولكن هذه المكانة الاجتماعية تكون موقتة وغالبا ما تكون سببا للحسد والغيرة.

إن هذه المصادر للقوة تتطلب جهدا كبيرا، وربما لا يحققه إلا القليل، ولكن هناك مصدرا واحدا للقوة يتغافل عنه الكثير رغم سهولته ومدى تأثيره، فهو القوة التي لا تسبب عداوات، ولا تؤذي البشر، وتريح الأعصاب، وتجنب الأمراض، بل إنها من الحسنات التي أوصى بها ديننا الحنيف؛ إنني أتحدث عن الابتسامة.

لقد أكدت دراسات حديثة على أن النجاح العملي والترابط الاجتماعي وسلامة البدن لها علاقة طردية بالابتسامة، كما أن للابتسامة سحرا فعالا، فالمبتسم يلقى قبولا كبيرا بين الناس، ويكسبه الاحترام والتقدير الذي يبحث عنه معظم من يبحثون عن القوة. لن أتحدث عن كل مزايا هذه القوة الخارقة والسهلة، ولكن أحببت أن أعرج على بعضها لتبيان سحرها وقوتها. شخصيا: كنت أعتقد أن الابتسامة هي نتيجة للرضا والسعادة، وهذا معتقد صحيح جزئيا، لأن العكس صحيح كذلك، فالمبتسم، ولو تصنع الابتسامة، سيشعر بالسعادة والرضا تدريجيا. ولقد اهتم العلماء بالابتسامة ودورها، فلقد قام أحد الباحثين الاجتماعيين بدراسة الابتسامة، ووجد أنه يصعب على الإنسان أن يعبس أمام شخص مبتسم، فالابتسامة شعور معد. ولاحظ كذلك أن عدد الابتسامات لدى الكبار تتراوح ما بين 20 إلى 25 ابتسامة يوميا، بينما يبتسم الصغار أكثر من 400 مرة في اليوم. وهنا يأتي السؤال، لماذا قل عدد ابتساماتنا؟

يعتقد الكثيرون أن المبتسم لا يعاني من الهموم وخاليا من المشاكل، بل يعتقدون أنه أكثر من ذلك، فالابتسامة في نظرهم مرتبطة بالمال والصحة، وذلك اعتقاد لا تؤيده أية دراسة، لأنها حالة معنوية ليست لها علاقة بالمادة والصحة، ولكن علاقتها بعمق القناعة وقوة الإيمان.

وهنا يأتي السؤال المهم، إن كانت الابتسامة سببا في كسب حب الناس واحترامهم، وهي سبب في إرضاء الذات، وفوق هذا كله هي حسنة واقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم الذي لم تفارقه الابتسامة، فلماذا تغيب البسمة عن وجوهنا؟

قفلة:

لنتفق أن الابتسامة خيار وليست نتيجة، فلنختر ما فطرنا على فعله 400 مرة في اليوم.

نشرت المقالة في صحيفة مكة

الخطأ في استخدام كلمة خطأ

في مدارسنا وحياتنا الاجتماعية، لا نصفق غالبا إلا لمن يجيب جوابا صحيحا. وهذا نابع من حرصنا وتشجيعنا على التفوق، ولكن ما مردود هذا التشجيع على من أجاب؟ وما مردوده على غيره؟

تقول الدكتورة كارول دويك، الباحثة في علم النفس، إن الثناء على الصواب فقط غالبا ما يؤدي إلى عقلية تسمى بالعقلية الثابتة (fixed-mindset) وهذه العقلية تؤمن بأن الذكاء فطرة ربانية لا صفة مكتسبة، مما يجعلها تشعر بالخوف مع كل اختبار، لأن الاختبار في نظر صاحب هذه العقلية سيقيس الذكاء، فإن فشل فهذا تأكيد على ضعف قدراته العقلية. أما العقلية الأخرى فاسمها العقلية المتطورة (growth-mindset) وأصحاب هذه العقلية على عكس الثابتة يؤمنون أن الذكاء نتيجة للجهد المبذول وأن المهارات تكتسب بالتعليم، فتراهم يبحثون عن التحديات والاختبارات، لكي تساعدهم على اكتشاف أنفسهم، فإن أخفقوا بذلوا جهدا إضافيا ليتطوروا.

إذن باختصار الفرق بين العقلية الثابتة والمتطورة يكمن في أن الثابتة تؤمن أن النجاح مرتبط بالذكاء الفطري، بينما المتطورة تؤمن بأن النجاح مرتبط بمقدار الجهد المبذول.

ومن هذا المفهوم العميق، يجب علينا إعادة النظر في أساليب الإشادة بأبنائنا. فيمكن للمتعلم التحول من صاحب عقلية ثابتة إلى عقلية متطورة بعبارات بسيطة فمثلا في حالة الصواب يقال له: «اجتهاد مميز … استمر» بدلا من «أحسنت … أنت ذكي» وفي حالة الإخفاق يقال له: «لم تصل إلى الإجابة الصحيحة بعد.. ضاعف الجهد وستصل» بدلا من «خطأ .. حاول مرة أخرى». هذه العبارات وغيرها تحفز المتعلم للتعلم. وأما في مدارسنا، فعلينا معرفة الوقت المناسب للتصفيق والتكريم، فالطالب المجتهد – وإن أخفق – أفضل من الطالب الذي يخاف الإخفاق، فالإخفاق هو أقوى وسائل التعلم. لذلك يجب أن يكون تصفيقنا وتشجيعنا مستمرين لكل مجتهد، فالمطلوب من المتعلم بذل الجهد لا الإجابة الصحيحة.

هذه النظرية النفسية الحديثة تخفى على كثير من الآباء والأمهات، فتراهم يغضبون من أبنائهم إذا حصلوا على درجات دنيا في اختباراتهم، ولا يعلمون أن درجة الاختبار ليست المعيار الأساسي لأداء المتعلم، فهذه الدرجة ليست إلا مؤشرا صغيرا من مؤشرات أهم. ما يجب علينا جميعا فعله هو قياس الجهد المبذول في التعلم، والتحفيز المستمر في بذل مزيد من الجهد لخلق عقلية متطورة. كما يجب علينا أن نعي أن التوبيخ يعني خلق عقلية ثابتة تخشى الاختبار غير قابلة للتعلم. ولنتذكر دائما أن العلماء والناجحين تميزوا بالجهد المبذول وليس بفطرة ذكاء أعلى. ألم يقل أحد أنجح علماء القرن العشرين آينشتاين: «ليست الفكرة في أني فائق الذكاء، بل كل ما في الأمر أني أقضي وقتا أطول في حل المشاكل».

قفلة:

ما أعظم كلام سيد المربين وخير البرية صلى الله عليه وسلم الذي قال: «إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم»!

نشرت في المقالة في صحيفة مكة

آفة المجتمع

كنت أسمع دائما أن جيلنا جيل غير جاد، فنحن لا نحترم من هم أكبر منا سنا، وأننا مترفون جدا لا يرجى منا خير.

وعندما كبرت قليلا، أصبحت أقول مع الآخرين إن الجيل القادم جيل تافه، وشبابه لن يتحمل المسؤولية، وبكل تأكيد أنهم أسوأ حالا منا.

وبعد فترة بسيطة، توقفت وسألت نفسي «إن كنا أسوأ من سابقينا -كما وصفونا – والجيل القادم أسوأ منا – كما نزعم – فإلى أي درجة من السوء نحن متجهون؟» بعدها سقط في يدي نص قرأته كتبه أفلاطون عام 400 قبل الميلاد قال فيه «ما الذي يحدث لشبابنا؟ إنهم لا يحترمون الكبار، ويعصون آباءهم، ولا يحترمون القانون، وأخلاقهم في انحطاط. ما الذي نتوقعه منهم؟».

ونص آخر من أحد القساوسة مكتوب عام 1274م يقول فيه «شباب اليوم لا يفكرون إلا بأنفسهم، ولا يحترمون الآباء ولا من يكبرهم سنا، والفتيات جريئات وغير مهذبات في أسلوب حديثهن، وتصرفاتهن وحتى في لباسهن».

أدركت أن الأمر ليس منحصرا على هذا العصر أو علينا كمجتمع عربي، بل على مر العصور واختلاف الثقافات. فتغير السؤال إلى «هل ما قيل وما نقول صحيح؟» لأنه لو كان كل جيل أسوأ من الذي سبقه لعدمت، ولكن يبدو أن في الأمر خطأ.

نحن لا نستوعب المتغيرات الثقافية والفكرية وحتى التقنية التي تمر بها الأجيال المختلفة، فنقارن جيلا بآخر بمعزل عن ذلك. من هذا المنطلق، أعتقد أن الخلل في الأساس هو استخدام أسلوب المقارنة، فلكل جيل معطياته. ألم يذكر في الأثر «لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم»؟ وهذا قول حكيم في نبذ المقارنة.

بشكل عام، المقارنة آفة على المجتمع وعلى الفرد فهي لا تقتصر على انتقاد الأجيال لبعضها ولكن للمقارنة أبعاد أخرى تجعلنا نراجع أنفسنا في بعض أحكامنا وقراراتنا. أدركت ذلك بعد تأمل في قصص القرآن، فالله سبحانه وتعالى يذكر في كتابه المبين موقف إبليس من السجود لآدم عليه السلام، فيقول سبحانه وتعالى مخاطبا إبليس « قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين» إذن، فأساس أول معصية للخالق هو المقارنة. ومثال آخر تعلمناه من قصة أول جريمة في الأرض واضح في قول الله تعالى «واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين»، فقتل قابيل أخاه هابيل بسبب المقارنة. إذن فالمقارنة أساس الكبر والحسد والحقد والغيرة، وعكس المقارنة تماما تكون السعادة والرضا والراحة النفسية فقد قيل قديما «المرء سعيد ما لم يقارن».

قفلة:

لنتأمل قول الله تعالى «لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين».

نشرت هذه المقالة في صحيفة مكة

الإنسان العامر

عندما قرأت عن تجارب دول صغيرة مثل: سنغافورة وآيسلندا والسويد وفنلندا وجدت أنها لا تملك من الموارد الطبيعية ما تملكه دول رزقت خيرات طبيعية كثيرة، ورغم ذلك إلا أن الوضع الاقتصادي والأمني والتقدم العمراني فيها أقوى وأمتن، والمؤشرات والتقارير العالمية الحديثة تؤكد ذلك. بحثت عن أسباب هذه القوة والتفوق، فوجدت أن هناك سببا واحدا فقط؛ والسبب ببساطة الإنسان، فهو أغلى الموارد الطبيعية وأثمن الثروات وأقدرها على صنع الفارق في أي مكان حل.

ولكن كيف يكون الإنسان السنغافوري أو السويدي أقدر وأقوى من نظيره في دول تعد نامية؟ يبدو لي أن الدول المتفوقة أدركت رسالة رب العالمين جل وعلا التي ذكرها في سورة هود «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها» فعرفوا أن العمارة تأتي من الإنسان، وأما الخيرات والموارد الطبيعية فهي مسخرة له كما قال الله سبحانه وتعالى على لسان لقمان الحكيم «ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة». ففهموا أنه مهما رزقوا من خيرات، إلا أن دور الإنسان هو الفيصل. فهو إما ينمي هذه الخيرات ويعمر الأرض أو يهملها ويكون سببا في خراب أرضه.

وكذلك، استنتجوا أنه بما أن الإنسان هو الوسيلة لأي تقدم، أصبح بناؤه أهم وأولى الغايات، فسعوا جاهدين لتهيئة الإنسان العامر وإعداد الفرد العامل المنتج، وذلك من خلال تكامل العمل المؤسسي التعليمي والتربوي والإعلامي مع المنزل والمجتمع بشكل عام. وهذا ما تختلف فيه دول مثل السويد وفنلندا مع أخرى نامية.

وحين أنظر إلى حال بلادنا الغالية، وأقارن ماضيها بحاضرها، أجد أن معظم أجدادنا كانوا لا يكتبون ولا يقرؤون، وأما آباؤنا فكثير منهم حصل على الشهادات العليا، وجيلنا الحالي غالبيته درس في الجامعات. وبعيدا عن كل الانتقادات، هذا تطور ملحوظ وسبب للتفاؤل بمستقبل مشرق – بإذن الله. ولكن أتساءل: هل وصلنا إلى الحد المبتغى من بناء الإنسان؟ أعتقد وبكل يقين أنها عملية مستمرة لا تنقطع ولا حد فيها ما دام النجاح والتفوق هما المطلب المنشود لنا، ولكل أمة على هذه المعمورة.

قفلة:

كلمة قالها والدي – رحمه الله- بقناعة تامة داعبت مشاعر كثير من الناس لما تحمل من حقيقة يؤمن بها كثيرون، فرسخت في أذهان الناس وأصبحت تتداول على الألسن؛ إنه الشعار وراء حبه للرسالة المقدسة «وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة».

نشرت المقالة في صحيفة مكة

أولى العبر

إن أول ذكر لنبي في القرآن الكريم من حيث تسلسل النزول لم يكن لأبي البشر آدم، ولا لأبي الأنبياء إبراهيم، ولم يكن لأي من أولي العزم من الرسل، عليهم السلام جميعا، بل كان لصاحب الحوت يونس بن متى عليه السلام. والآية التي نزلت في ذكره من سورة القلم «فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادىٰ وهو مكظوم»، وفيها أمر للرسول – صلى الله عليه وسلم – بعدم القيام بما قام به نبي الله يونس، عليه السلام. فيذكر المفسرون أنه بسبب يأسه من دعوة قومه غادر نينوى، وكان مصير ذلك اليأس والإحباط أن التهمه الحوت، لذلك كان دعاؤه «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»، ففي هذا الدعاء إقرار بالذنب الذي فيه ظلم للنفس. ويستنتج الكثير من هذا الأمر الرباني المبكر أن أولى العبر المستفادة من قصص الأنبياء السابقين نبذ روح اليأس، والإحباط، والدعوة إلى الإيجابية التي هي قيمة أصيلة راسخة في الإسلام.

والإيجابية هي حالة تفاعل وعمل وعطاء وتفاؤل، وهي عكس التشاؤم والبؤس والانهزام. وبما أن لنا في رسولنا – صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، نتذكر كثيرا من مواقفه الإيجابية التي مر بها، ومن أعظمها ما مر به في غزوة الخندق، حين تكالب المشركون واليهود على المسلمين في المدينة، وفي هذه المحنة العظيمة بشرهم – عليه الصلاة والسلام – بنصر قريب على كسرى وفتح بلاد فارس. بهذه الروح الإيجابية صبر المسلمون إلى أن انتصروا على هذا التكتل الكبير، وتخطوا كل العقبات والمصائب التي مروا بها.

الروح الإيجابية روح سائدة في سيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم، وسير بقية العظماء الذين غيروا التاريخ، لذلك نحتاج إلى نشر الإيجابية وتوعية الأجيال الناشئة بأهميتها على الفرد وعلى المجتمع. فعلى صعيد الفردي للإيجابية مردود صحي ونفسي – كما أشار كثير من الدراسات الحديثة، فالشخص الإيجابي لا يعاني الضغوط النفسية والتوترات العصبية كما يعانيها الشخص السلبي، وكذلك صحة وسلامة القلب لها علاقة طردية بالإيجابية. وأما على صعيد المجتمع فالتغيير والتطوير لا يأتي من سلبي يثبط الهمم وينشر الإحباط، بل يأتي من إيجابي يعمل فينجز. وفي مجتمعنا – ولله الحمد- إيجابيون كثر ودورهم ملموس، وكما يقال «إذا خليت خربت»، لذلك علينا جميعا أن نشيد بهم وننضم إليهم.

قفلة:

يقول الله تعالى في سورة هود»وما كان ربك ليهلك القرىٰ بظلم وأهلها مصلحون»، واختار الله كلمة مصلحون، ولم يقل صالحون. دعوة لتأمل هذه الكلمة، فهل يوجد مصلح غير إيجابي؟

نشرت المقالة في صحيفة مكة

مرآة المجتمع

قيل لي «لمعرفة أخلاق المجتمع وسلوكه عليك بالنزول إلى الشارع والمرور بالمدارس والذهاب للمجالس. فهي المرآة الحقيقية للمجتمع وليس ما يكتب في الصحف، أو ما يشاهد في التلفاز»، لهذا أحببت أن أعكس جانبا بسيطا من جوانب هذه المرآة؛ من خلال الشارع – حرفيا.

مشهد:

من حي الرحمانية في مدينة الرياض، خرجت صباحا بالسيارة متجها إلى مدرسة ابني، وفي طريق الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول حيث كنت سالكا المسار الأوسط ارتمت أمامي سيارة من الحجم الكبير بلا مقدمات ولا إضاءة تنبيه للعبور. نتيجة لذلك، اضطررت لأن أضغط على مكبح السيارة (دواسة الفرامل) بقوة، فسمعت صوت بوق (بوري) من سيارة خلفي لمدة ثماني ثوان بلا توقف ويد قائدها مرفوعة تجاهي وشفتاه تتحركان. اعتذرت له بيدي وأنا مغلق لشفتي، ثم أكملت طريقي إلى أن وصلت إلى إشارة مرور تقاطع طريق الملك عبدالعزيز مع طريق الملك عبدالله. هناك، حدد المسار الأيسر للسيارات التي تريد أن تأخذ طريق الدوران للخلف (يوتيرن)، ولكن قرر شاب أن يأخذ هذا المسار ليتعدى كل من ينتظر الإشارة المرورية بانتظام إلى أن وضع مقدمة سيارته – ببراعة – أمام سيارتي.

ولكن ماذا عن انسيابية مرور السيارات التي تريد الدوران؟ بالنسبة للشاب؟، لا يهم، المهم أن يصل بطريقة أسرع من غيره. رغم أصوات أبواق السيارات الغاضبة التي تريد الدوران للخلف، استمر الشاب مغلقا للطريق فاتحا نافذة سيارته ويده ممسكة بسيجارة ينفث دخانها إلى الأعلى غير آبه بمن خلفه. وما هي إلا ثوان حتى اخضرت إشارة المرور، فرمى ما تبقى من سيجارته في الشارع، ثم تعداني، فانساب الطريق وسرت خلفه إلى أن انتهت مغامرتي – ولله الحمد – بإيصال ابني سالما معافى لمدرسته. قبلت جبينه وقلت له حمد لله على سلامتك وإلى اللقاء بعد الظهر إن شاء الله. هل هذا المشهد بالفعل مرآة للمجتمع؟ ربما، ولكن المزعج في مثل هذا المشهد أنه يتكرر يوميا إلى أن أصبح ظاهرة فتقبلناها. ولكن أين الخلل؟ معظم من أناقشهم يستشهدون بقول عثمان رضي الله عنه «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، فيلقون اللوم على جهاز المرور، ولكن الموضوع – في نظري – أعمق من ذلك، فهل هذه هي الأخلاق التي تممها خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم؟ وهل هذا هو المسلم الذي سلم المسلمون من لسانه ويده؟ أم هل هذا فعلا هو سلوك خير أمة أخرجت للناس؟ أسئلة أطرحها لمراجعة الذات وإعادة النظر في بعض سلوكنا.

قفلة:

لمن يقطع إشارة المرور ويضع سيارته أمام باب المسجد سادا الطريق على المارة لأداء الفرض مع الجماعة، أسأله: أهذه الصلاة التي أمرنا الله بها؟ أما يجب أن ننتهي عن إيذاء الناس؟ الله المستعان.

نشرت هذه المقالة في صحيفة مكة

أساس الهوية

من خلال دائرة معارفي، لاحظت مشكلة أعتقد أنه واجب علي طرحها. ولست هنا ناصحا أو واعظا، بقدر ما أنا مشارك لما أراه مشكلة، ومؤمن أن الحلول تأتي بتعاون المجتمع. وهذه المشكلة تخص تعاملنا مع الأطفال.

أحد المواقف التي جعلتني أشعر بوجود هذه المشكلة هو عندما رأيت أبا مع طفليه في إحدى المكتبات يشتري لهما كتبا باللغة الإنجليزية ويخاطبهما – متكلفا – بالإنجليزية وهم يتسوقون. سألته عن السبب الذي يدعوه للحرص على اللغة الإنجليزية أكثر من العربية، وكان جوابه أن لغة العلوم الحديثة والفنون تدرس ومكتوبة بالإنجليزية، ولا يوجد من العربية إلا الكتب القديمة التي لا تفيد الجيل في هذا الزمن. ويعتقد الأب أنه يكفي لأبنائه أن يفهموا ويتحدثوا باللغة العربية، أو بالأدق اللهجة الخليجية النجدية. وإن عرفوا أكثر من ذلك فهو أمر لا بأس به، ولكن المهم أن يتقنوا لغة العلوم ولغة المستقبل؛ اللغة الإنجليزية.

ربما مثله في المجتمع لا يتجاوزون الواحد في المئة، إلا أني أخاف أن يزيدوا إلى أن تصبح ظاهرة اجتماعية. هؤلاء القلة من الآباء والأمهات يفضلون مخاطبة أبنائهم باللغة الإنجليزية بدلا من لغتنا العربية في هذا المجتمع. وهذا المعتقد إذا كثر عند الناس فناقوس الخطر سيدق.

والخطر هنا ليس في معرفة اللغة الإنجليزية، ولكنه في عدم الاهتمام باللغة العربية.

والخوف هنا ليس على اللغة العربية فهي – ولله الحمد – محفوظة بحفظ القرآن الكريم، ولكن الخوف على من ينتمي لها. نعم أخاف على أهلها، فاللغة أساس الهوية، وأمة تتخلى عن الهوية هي أمة هامشية لا تكتب التاريخ ولا تكتب فيه.

أقول لمن استخدم اللغة الإنجليزية، لأن اللغة العربية لم تواكب العلوم الحديثة!، إن هذا عار علينا وليس عيبا في اللغة. لغة اختارها رب الكون عز وجل من بين كل اللغات لقول أهم الكلام وكتابة أعظم الكتب لا يمكن أن تعاب. نحن المقصرون، ونحن من يجب أن يجعلها تواكب العصر لا أن نستسلم ونكون أتباعا للأمم الأخرى.

بعض الدول التي لم يمن الله عليها بما منه على أهل اللغة العربية يحاربون لإبقاء لغتهم حية، ويترجمون آلاف أو ربما ملايين الكتب لتصبح لغتهم مواكبة للعلوم. هذه الدول سعت إلى أن تقدمت فتحولت من متخلفة إلى دول كتبت التاريخ بلغتها لا بلغة غيرها.

قفلة: لم أجد قفلة خيرا من قول الشاعر العربي الجميل حافظ إبراهيم متحدثا بلسان اللغة العربية:

وسعت كتاب الله لفظا وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات

أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني
ومنكم وإن عز الدواء أساتي

نشرت هذه المقالة في صحيفة مكة

الانحطاط الأخلاقي

نشأنا ونحن نحذر من أهل الغرب ومن أطباعهم وسلوكهم. نحذر منهم لأنهم أهل فساد الأخلاق. كبرت ولا أزال أسمع عن خطر التغريب لما في ذلك من دعوة للانحطاط.

سألت نفسي: إلى أي مدى من الفساد والانحطاط يعيش هؤلاء الغربيون؟

بعد البحث البسيط والنقاش الموجز، عرفت أن تفسيرنا للفساد يكمن في العلاقة بين الجنسين في المجتمع الغربي ومظاهر وتبعات هذه العلاقة.

وبلا شك ففي مظاهر علاقاتهم من السفور والانحلال ما الله به عليم، فكفانا وكفى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- شرها.

ولكن أن نختزل الأخلاق في تلك العلاقة الجنسية، أعتقد أنه تسطيح لمفهوم الأخلاق.

هذا الاختزال لمفهوم الأخلاق هو الذي جعلنا نقيم المجتمعات والأشخاص بتلك المظاهر، وننسى عمق الأخلاق ودورها في صلاح المجتمع وتطوره.

هذا التسطيح جعلنا -إلى حد ما- نحدد صلاح الرجل بمظهره فقط، وصلاح المرأة بحشمتها فقط، وأن صلاح أو فساد المجتمع يتحدد فقط في العلاقات القائمة بين الذكور والإناث.

هذا التسطيح للمفهوم الحقيقي للأخلاق جعلنا نتجاهل قيما أخرى كالإخلاص في العمل، والصدق، والنظافة، وحسن الظن، وتقبل الآخر، واحترام المواعيد، والعدل وغيرها الكثير الذي لا يسع المقال لذكره.

فننشئ أبناءنا وبناتنا واضعين الخط الأحمر تحت هذا الخلق وحده متجاهلين البقية الكثيرة للأخلاق. ونسينا أن العلاقة بين الجنسين جزء لا يتجزأ من منظومة متكاملة للأخلاق.

إن اختزالنا لصلاح وفساد الأمم في تلك العلاقة، جعلنا نظن أننا أفضل من الغرب خلقا، وأحق منهم في التمكين فننتظر وعد الله لاستخلاف الأرض وسيادتها.

فهل أدركنا حكم ومواعظ القصص القرآنية الكثيرة؟ هل استنبطنا الرسائل الربانية من قول الله عز وجل في سورة الإسراء: «وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا» وقوله في سورة الأنبياء: «وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين» وفي سورة القصص: «وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها»؟ هذه الآيات الكريمة أمثلة للاستدلال على أن الفسق والظلم والبطر من مسببات هلاك الأمم، وليس فقط علاقة الجنسين.

لذلك، إن ما أردت توضيحه هو أن تقنين العلاقات بين الجنسين أمر ضروري جدا لصلاح المجتمع وعلينا الالتزام بالضوابط الإسلامية، ولكن أؤكد أنها ليست المعيار الوحيد في تحديد الصلاح أو الفساد.

بل علينا أن نقيم أخلاقنا بطرق أشمل وأعمق وما أكثرها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فلا نحتاج لا إلى الغرب أو أي حضارة أخرى لترشدنا إلى الأخلاق والقيم الحميدة.

قفلة:

ورد في الصحيح، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وهذا يعني أنه رغم شرك وسفور وجهل قبيلة قريش إلا أن مكارم الأخلاق كانت موجودة فأتى الإسلام ليكملها وهذا هو المقصود بكلمة أتمم.

نشرت المقالة في صحيفة مكة

عش فضوليًا

يولد الطفل متسائلا، فضوليا ومحبا للمعرفة. فنسمع من أبنائنا أسئلة كثيرة مثل «بابا ليش الشارع لونه أسود؟» و»ماما ليش البيبي يبكي؟» و»أستاذ إيش يعني كلمة الخناس؟».. وغيرها من الأسئلة التي قد لا نعرف الإجابة عن معظمها.

وهذه الفطرة مهمة جدا ليبني الطفل قاعدة لأفكاره، وينمي مهاراته، ويستوعب الكلمات، ويدرك ما لا يفهمه. ومع تقدم العمر تتلاشى هذه الخصلة فنستنكر كثرة الأسئلة ونخفف من تساؤلاتنا.

لكن هل هذا أمر صحي؟

خاطب الله من خلال كتابه المبين عقل المسلم البالغ وكان ضمن ما قاله سبحانه وتعالى في سورة الواقعة «أفرأيتم ما تمنون»، «أفرأيتم ما تحرثون»، «أفرأيتم الماء الذي تشربون»، «أفرأيتم النار التي تورون».. وغيرها من الأسئلة التي أعتقد أنها رسالة من الله تعالى للمسلم، يحثه فيها على التساؤل وإشغال العقل الذي ميز الإنسان به عن سائر المخلوقات.

لعل مما يؤكد ذلك اتخاذ الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام خليلا. فمما تميز به أبو الأنبياء أنه قبل إيمانه ونبوته عاش متسائلا باحثا عن الحقيقة، إلى أن أرشده الله تعالى إلى خالقه وخالق الآفلين: الكوكب والقمر والشمس. ففي قصته عبر كثيرة، أرى أن من أهمها أن التساؤل فتيلة العلم والإيمان.

شخصيا، متأكد أننا مهما بلغنا من العلم والإدراك إلا أن جهلنا أكبر من علمنا، ألم يقل الله تعالى «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا»؟ لذلك سأحرص على أن أكون متسائلا، وباحثا عن الحقائق والمعلومات، عادية كانت أم مهمة.

المهم أن تبقى خصلة التساؤل خصبة.

إضافة إلى أنها فتيلة العلم والإيمان، فالتساؤل يقود الإنسان إلى السعادة. فمع كثرة التساؤل، تصبح الحياة مليئة بالاكتشافات والأفكار الجديدة التي تعزز فهمها وإدراك جمالها.

لعلي أستشهد بمقولتين لعالمين من علماء هذه البسيطة اتفقا على أهمية التساؤل رغم اختلاف الأزمنة وتخصصاتهما، أحدهما إسلامي صحابي والآخر فيزيائي معاصر.

سئل حبر هذه الأمة، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبدالله بن عباس «أنى أحببت هذا العلم؟» فأجاب «لسانا سؤولا وقلبا عقولا».

أما عبقري هذا الزمان ألبرت آينشتاين فيقول «الشيء المهم هو ألا نتوقف عن الأسئلة، وألا نفقد قدسية الفضول».

قفلة:

مقولة صينية «قد يكون السائل عند سؤاله مغفلا لخمس دقائق، ولكن الذي لا يسأل سيحيا مدى حياته مغفلا».

نشرت المقالة في صحيفة مكة

العمل الصالح

قصة:

في ساحة المواقف لمجمع تجاري، فتح باب السيارة، ثم رميت علبة ماء فارغة على الشارع، التقطها شاب كان يمر في الطريق، وبهدوء، طرق نافذة السيارة. «سم» تفوه بها صاحب السيارة.

«لقد سقطت هذه العلبة من سيارتك» أجاب الشاب.

ابتسم صاحب السيارة بخجل وأخذ العلبة ثم شكره ومضى.. انتهت القصة.

لا أعلم هل يكفي هذا المقال لكتابة الدروس المعتبرة من هذه القصة القصيرة أم لا؟
بصراحة، لا أظن فهي دروس كثيرة، لكن لعلي أعرج على بعضها.

أول هذه الدروس
فن النصيحة.
الشاب لم يبالغ في نصحه ولم يأخذ موقف الواعظ الناصح الفاهم، ولكن أرسل أبلغ رسالة بعمل بسيط، أعتقد أن مفعولها أقوى وأرسخ وبكل تأكيد نصيحة لن تنسى أبدا.

ثانيا
إحسان الظن،
فالرجل لم يقل «لقد رميت العلبة»، بل قال «لقد سقطت».
فيا جمال إحسان الظن، ووالله إنها قيمة أخلاقية إن اتسعت قد تحل نصف الخلافات الشخصية التي نمر بها، إن لم تكن كلها.

ثالثا،
إماطة الأذى عن الطريق
الشاب لم يقل «إنه شارع المجمع التجاري وليس لي علاقة به»، بل اعتبره أذى للمارة، وفضل أن يميطه.
فهذه الخصلة التي لو كرسناها في ثقافتنا لأصبحت شوارعنا من أجمل الشوارع في العالم وبيئتنا من أنقاها.

رابعا،
حب الخير للجميع
أراد الشاب ألا يلحق صاحب السيارة ذنبا أو سيئة، بل على العكس فضل أن تكتب له حسنة فشاركه أجر الإماطة. وكأنه يريد أن يؤصل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «حب لأخيك كما تحب لنفسك»، وتوجد دروس أخرى ربما يجيد القارئ استنباطها أكثر مني.

هذه القصة، بكل ما فيها من عبر ودروس، تختصر بعضًا من الأخلاق والقيم التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ليتمها. فهذا الشاب لا أعلم عن صلاته أو صومه فهي أعمال خالصة وخاصة لله تبارك تعالى، ولكن مما رأيت من تعامله مع البشر، فأظن أنه مثال للمسلم الذي يريده الله عز وجل.

قفلة:

يقول الله تعالى في سورة النور «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض»
حاليًا الأرض ليست مستخلفة للمؤمنين، فهل يعقل أن الله – جل وعلا – أخلف وعده؟
أم إننا مقصرون في الأعمال الصالحة؟
أعتقد أن علينا إعادة النظر في تعريف العمل الصالح.

المقال منشور في صحيفة مكة