القوة السهلة

إن الإنسان بطبيعته يسعى للقوة، ويبحث عنها لإرضاء ذاته، وليكسب الاحترام والتقدير. هناك من يكسب الاحترام بالمال، إلا أن هذا الاحترام في كثير من الأحيان يكون زائفا أو لمصلحة مادية. أما النوع الآخر من القوة فهو القوة المكتسبة بالجاه والمنصب، ولكن هذه المكانة الاجتماعية تكون موقتة وغالبا ما تكون سببا للحسد والغيرة.

إن هذه المصادر للقوة تتطلب جهدا كبيرا، وربما لا يحققه إلا القليل، ولكن هناك مصدرا واحدا للقوة يتغافل عنه الكثير رغم سهولته ومدى تأثيره، فهو القوة التي لا تسبب عداوات، ولا تؤذي البشر، وتريح الأعصاب، وتجنب الأمراض، بل إنها من الحسنات التي أوصى بها ديننا الحنيف؛ إنني أتحدث عن الابتسامة.

لقد أكدت دراسات حديثة على أن النجاح العملي والترابط الاجتماعي وسلامة البدن لها علاقة طردية بالابتسامة، كما أن للابتسامة سحرا فعالا، فالمبتسم يلقى قبولا كبيرا بين الناس، ويكسبه الاحترام والتقدير الذي يبحث عنه معظم من يبحثون عن القوة. لن أتحدث عن كل مزايا هذه القوة الخارقة والسهلة، ولكن أحببت أن أعرج على بعضها لتبيان سحرها وقوتها. شخصيا: كنت أعتقد أن الابتسامة هي نتيجة للرضا والسعادة، وهذا معتقد صحيح جزئيا، لأن العكس صحيح كذلك، فالمبتسم، ولو تصنع الابتسامة، سيشعر بالسعادة والرضا تدريجيا. ولقد اهتم العلماء بالابتسامة ودورها، فلقد قام أحد الباحثين الاجتماعيين بدراسة الابتسامة، ووجد أنه يصعب على الإنسان أن يعبس أمام شخص مبتسم، فالابتسامة شعور معد. ولاحظ كذلك أن عدد الابتسامات لدى الكبار تتراوح ما بين 20 إلى 25 ابتسامة يوميا، بينما يبتسم الصغار أكثر من 400 مرة في اليوم. وهنا يأتي السؤال، لماذا قل عدد ابتساماتنا؟

يعتقد الكثيرون أن المبتسم لا يعاني من الهموم وخاليا من المشاكل، بل يعتقدون أنه أكثر من ذلك، فالابتسامة في نظرهم مرتبطة بالمال والصحة، وذلك اعتقاد لا تؤيده أية دراسة، لأنها حالة معنوية ليست لها علاقة بالمادة والصحة، ولكن علاقتها بعمق القناعة وقوة الإيمان.

وهنا يأتي السؤال المهم، إن كانت الابتسامة سببا في كسب حب الناس واحترامهم، وهي سبب في إرضاء الذات، وفوق هذا كله هي حسنة واقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم الذي لم تفارقه الابتسامة، فلماذا تغيب البسمة عن وجوهنا؟

قفلة:

لنتفق أن الابتسامة خيار وليست نتيجة، فلنختر ما فطرنا على فعله 400 مرة في اليوم.

نشرت المقالة في صحيفة مكة

مرآة المجتمع

قيل لي «لمعرفة أخلاق المجتمع وسلوكه عليك بالنزول إلى الشارع والمرور بالمدارس والذهاب للمجالس. فهي المرآة الحقيقية للمجتمع وليس ما يكتب في الصحف، أو ما يشاهد في التلفاز»، لهذا أحببت أن أعكس جانبا بسيطا من جوانب هذه المرآة؛ من خلال الشارع – حرفيا.

مشهد:

من حي الرحمانية في مدينة الرياض، خرجت صباحا بالسيارة متجها إلى مدرسة ابني، وفي طريق الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول حيث كنت سالكا المسار الأوسط ارتمت أمامي سيارة من الحجم الكبير بلا مقدمات ولا إضاءة تنبيه للعبور. نتيجة لذلك، اضطررت لأن أضغط على مكبح السيارة (دواسة الفرامل) بقوة، فسمعت صوت بوق (بوري) من سيارة خلفي لمدة ثماني ثوان بلا توقف ويد قائدها مرفوعة تجاهي وشفتاه تتحركان. اعتذرت له بيدي وأنا مغلق لشفتي، ثم أكملت طريقي إلى أن وصلت إلى إشارة مرور تقاطع طريق الملك عبدالعزيز مع طريق الملك عبدالله. هناك، حدد المسار الأيسر للسيارات التي تريد أن تأخذ طريق الدوران للخلف (يوتيرن)، ولكن قرر شاب أن يأخذ هذا المسار ليتعدى كل من ينتظر الإشارة المرورية بانتظام إلى أن وضع مقدمة سيارته – ببراعة – أمام سيارتي.

ولكن ماذا عن انسيابية مرور السيارات التي تريد الدوران؟ بالنسبة للشاب؟، لا يهم، المهم أن يصل بطريقة أسرع من غيره. رغم أصوات أبواق السيارات الغاضبة التي تريد الدوران للخلف، استمر الشاب مغلقا للطريق فاتحا نافذة سيارته ويده ممسكة بسيجارة ينفث دخانها إلى الأعلى غير آبه بمن خلفه. وما هي إلا ثوان حتى اخضرت إشارة المرور، فرمى ما تبقى من سيجارته في الشارع، ثم تعداني، فانساب الطريق وسرت خلفه إلى أن انتهت مغامرتي – ولله الحمد – بإيصال ابني سالما معافى لمدرسته. قبلت جبينه وقلت له حمد لله على سلامتك وإلى اللقاء بعد الظهر إن شاء الله. هل هذا المشهد بالفعل مرآة للمجتمع؟ ربما، ولكن المزعج في مثل هذا المشهد أنه يتكرر يوميا إلى أن أصبح ظاهرة فتقبلناها. ولكن أين الخلل؟ معظم من أناقشهم يستشهدون بقول عثمان رضي الله عنه «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، فيلقون اللوم على جهاز المرور، ولكن الموضوع – في نظري – أعمق من ذلك، فهل هذه هي الأخلاق التي تممها خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم؟ وهل هذا هو المسلم الذي سلم المسلمون من لسانه ويده؟ أم هل هذا فعلا هو سلوك خير أمة أخرجت للناس؟ أسئلة أطرحها لمراجعة الذات وإعادة النظر في بعض سلوكنا.

قفلة:

لمن يقطع إشارة المرور ويضع سيارته أمام باب المسجد سادا الطريق على المارة لأداء الفرض مع الجماعة، أسأله: أهذه الصلاة التي أمرنا الله بها؟ أما يجب أن ننتهي عن إيذاء الناس؟ الله المستعان.

نشرت هذه المقالة في صحيفة مكة

الانحطاط الأخلاقي

نشأنا ونحن نحذر من أهل الغرب ومن أطباعهم وسلوكهم. نحذر منهم لأنهم أهل فساد الأخلاق. كبرت ولا أزال أسمع عن خطر التغريب لما في ذلك من دعوة للانحطاط.

سألت نفسي: إلى أي مدى من الفساد والانحطاط يعيش هؤلاء الغربيون؟

بعد البحث البسيط والنقاش الموجز، عرفت أن تفسيرنا للفساد يكمن في العلاقة بين الجنسين في المجتمع الغربي ومظاهر وتبعات هذه العلاقة.

وبلا شك ففي مظاهر علاقاتهم من السفور والانحلال ما الله به عليم، فكفانا وكفى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- شرها.

ولكن أن نختزل الأخلاق في تلك العلاقة الجنسية، أعتقد أنه تسطيح لمفهوم الأخلاق.

هذا الاختزال لمفهوم الأخلاق هو الذي جعلنا نقيم المجتمعات والأشخاص بتلك المظاهر، وننسى عمق الأخلاق ودورها في صلاح المجتمع وتطوره.

هذا التسطيح جعلنا -إلى حد ما- نحدد صلاح الرجل بمظهره فقط، وصلاح المرأة بحشمتها فقط، وأن صلاح أو فساد المجتمع يتحدد فقط في العلاقات القائمة بين الذكور والإناث.

هذا التسطيح للمفهوم الحقيقي للأخلاق جعلنا نتجاهل قيما أخرى كالإخلاص في العمل، والصدق، والنظافة، وحسن الظن، وتقبل الآخر، واحترام المواعيد، والعدل وغيرها الكثير الذي لا يسع المقال لذكره.

فننشئ أبناءنا وبناتنا واضعين الخط الأحمر تحت هذا الخلق وحده متجاهلين البقية الكثيرة للأخلاق. ونسينا أن العلاقة بين الجنسين جزء لا يتجزأ من منظومة متكاملة للأخلاق.

إن اختزالنا لصلاح وفساد الأمم في تلك العلاقة، جعلنا نظن أننا أفضل من الغرب خلقا، وأحق منهم في التمكين فننتظر وعد الله لاستخلاف الأرض وسيادتها.

فهل أدركنا حكم ومواعظ القصص القرآنية الكثيرة؟ هل استنبطنا الرسائل الربانية من قول الله عز وجل في سورة الإسراء: «وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا» وقوله في سورة الأنبياء: «وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين» وفي سورة القصص: «وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها»؟ هذه الآيات الكريمة أمثلة للاستدلال على أن الفسق والظلم والبطر من مسببات هلاك الأمم، وليس فقط علاقة الجنسين.

لذلك، إن ما أردت توضيحه هو أن تقنين العلاقات بين الجنسين أمر ضروري جدا لصلاح المجتمع وعلينا الالتزام بالضوابط الإسلامية، ولكن أؤكد أنها ليست المعيار الوحيد في تحديد الصلاح أو الفساد.

بل علينا أن نقيم أخلاقنا بطرق أشمل وأعمق وما أكثرها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فلا نحتاج لا إلى الغرب أو أي حضارة أخرى لترشدنا إلى الأخلاق والقيم الحميدة.

قفلة:

ورد في الصحيح، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وهذا يعني أنه رغم شرك وسفور وجهل قبيلة قريش إلا أن مكارم الأخلاق كانت موجودة فأتى الإسلام ليكملها وهذا هو المقصود بكلمة أتمم.

نشرت المقالة في صحيفة مكة

العمل الصالح

قصة:

في ساحة المواقف لمجمع تجاري، فتح باب السيارة، ثم رميت علبة ماء فارغة على الشارع، التقطها شاب كان يمر في الطريق، وبهدوء، طرق نافذة السيارة. «سم» تفوه بها صاحب السيارة.

«لقد سقطت هذه العلبة من سيارتك» أجاب الشاب.

ابتسم صاحب السيارة بخجل وأخذ العلبة ثم شكره ومضى.. انتهت القصة.

لا أعلم هل يكفي هذا المقال لكتابة الدروس المعتبرة من هذه القصة القصيرة أم لا؟
بصراحة، لا أظن فهي دروس كثيرة، لكن لعلي أعرج على بعضها.

أول هذه الدروس
فن النصيحة.
الشاب لم يبالغ في نصحه ولم يأخذ موقف الواعظ الناصح الفاهم، ولكن أرسل أبلغ رسالة بعمل بسيط، أعتقد أن مفعولها أقوى وأرسخ وبكل تأكيد نصيحة لن تنسى أبدا.

ثانيا
إحسان الظن،
فالرجل لم يقل «لقد رميت العلبة»، بل قال «لقد سقطت».
فيا جمال إحسان الظن، ووالله إنها قيمة أخلاقية إن اتسعت قد تحل نصف الخلافات الشخصية التي نمر بها، إن لم تكن كلها.

ثالثا،
إماطة الأذى عن الطريق
الشاب لم يقل «إنه شارع المجمع التجاري وليس لي علاقة به»، بل اعتبره أذى للمارة، وفضل أن يميطه.
فهذه الخصلة التي لو كرسناها في ثقافتنا لأصبحت شوارعنا من أجمل الشوارع في العالم وبيئتنا من أنقاها.

رابعا،
حب الخير للجميع
أراد الشاب ألا يلحق صاحب السيارة ذنبا أو سيئة، بل على العكس فضل أن تكتب له حسنة فشاركه أجر الإماطة. وكأنه يريد أن يؤصل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «حب لأخيك كما تحب لنفسك»، وتوجد دروس أخرى ربما يجيد القارئ استنباطها أكثر مني.

هذه القصة، بكل ما فيها من عبر ودروس، تختصر بعضًا من الأخلاق والقيم التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ليتمها. فهذا الشاب لا أعلم عن صلاته أو صومه فهي أعمال خالصة وخاصة لله تبارك تعالى، ولكن مما رأيت من تعامله مع البشر، فأظن أنه مثال للمسلم الذي يريده الله عز وجل.

قفلة:

يقول الله تعالى في سورة النور «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض»
حاليًا الأرض ليست مستخلفة للمؤمنين، فهل يعقل أن الله – جل وعلا – أخلف وعده؟
أم إننا مقصرون في الأعمال الصالحة؟
أعتقد أن علينا إعادة النظر في تعريف العمل الصالح.

المقال منشور في صحيفة مكة