يبهرني غازي!

يكفي أن أقول يبهرني غازي، ليدرك القارئ أني أتحدث عن غازي بن عبدالرحمن القصيبي
فلولا أني عشت في عصره، لظننت أنه أسطورة أو شخص بالغوا في وصفه ..
لكنه رجل حقيقي وشخص استثنائي. أحببنا كل ما فيه من تميز وإبداع ..
لا أعرف كيف نصفه -رحمه الله- فلو قيل عنه أنه متعدد المواهب، فهذا غير كاف لأن متعددي المواهب كثر، ولكن قله من صقل ما وهبه الله إلى أن وصلت مرحلة التفوق ولا أعرف أحد تعددت تفوقاته إلا غازي!
وهل تفوقه كان في مجالات ليس فيها منافسين؟
لا، بالعكس تمامًا فلقد تميز وتفوق رغم بروز العديد من الأسماء في كل مجال خاضه!

فلو تحدثنا عن الشعر الحديث، فلابد من ذكر قصائد حفظناها كانت بمثابة موسيقى فنية إبداعية .. مثل أبيات من قصيدة حديقة الغروب:

يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه
        وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري
وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به
         علي... ما خدشته كل أوزاري
أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع
       لي.. أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟

وإن تحدثنا عن الرواية والأدب، فلا يمكن تجاهل أعماله الخالدة، بدايةً من شقة الحرية مرورًا بالعصفورية إلى أبو شلاخ البرمائي

أما في جانبه الإداري فمنذ بداية توليه عمادة كلية التجارة، ومن ثم إدارته لمؤسسة العامة للخطوط الحديدية، وتلاها وزيرًا للصناعة والثروة المعدنية، فوزيرًا للصحة حتى كتب كتابة الشهير “حياة في الإدارة” الذي أصبح مرجعًا مهمًا لعلم الإدارة، ومنهجًا دراسيًا عمم في مناهج التعليم السعودية

ولا يمكن تجاهل دوره السياسي المهم في تاريخ بلادنا الغالية، فلقد عُيّن سفيرًا لأكثر من دولة، وانتدب لكثير من المهام الخاصة والتي لم تقتصر مع ملك واحد، فغازي كسب ثقة الملوك الذين خدمهم بداية من الملك فيصل، ثم الملك خالد، فالملك فهد، وأخيرًا الملك عبدالله رحمهم الله جميعًا

والجانب الأخير فهو الجانب الإعلامي المؤثر، إضافة إلى ظهوره الملفت والماتع في لقائاته ومنتداياته، فقلمه كان سلاح مسخر للوطن، ولعلنا نذكر سلسلة من مقالاته التي كانت درعًا وسيفًا ورمحًا مهمًا أثناء غزو صدام للكويت بعنوان “في عين العاصفة

بعيدًا عن كل هذه الجوانب، والتي لم أتي بجديد في ذكرها، ولم أفي فيها القامة غازي، إلا أني كتبت هذه التدوينة بعد قرائتي لأمر شدني ويبدو أنه يكشف الشيء اليسير عن هذه الأسطورة الحقيقية -إن صح التعبير- فلقد قرأت إحدى مراجعات روايته شقة الحرية والتي نصت على:

تمثل هذه الرواية إهانتين. الأولى لذكاء القارئ والتاريخ. والثانية للرواية والروائي (…) فهو لا يعرف عن الرواية سوى اسمها (…) وعليه أن لا يتنطح للرواية التي تتطلب موهبة وقدرات لا نظن أنه بقادر عليها

سمير اليوسف – جريدة “القدس العربي”

هذا النقد الصريح لم أبحث عنه في مواقع مراجعة الرواية، ولكن قرر غازي أن تكون في غلاف روايته الخلفي!
للتأكيد مره أخرى، غازي القصيبي (الراوي نفسه) رأى أن تكتب وتوثق هذه المراجعة الجارحة في غلاف الكتاب لكي يقرأه القارئ قبل العزم في قراءة الرواية. أليس هذا أمر عجيب؟!
الذي أعرفه أن الناس تتضايق من قراءة النقد القاسي، فكيف بمن يقرأه ويقبله، بل يرحب به وينشره؟
أي مرتبة من الصلح الداخلي وصل له غازي لتجعله ينادي بالنقد وإن قسى؟ هل هذه الثقة بالنفس طبيعية؟ أم أنها سر من أسرار أسطورتنا؟

رحم الله الأسطورة غازي بن عبدالرحمن القصيبي
وعوض بلادنا والجيل القادم بمثله وبخير منه